السكليوزز (Scoliosis)، والذي يُعرف باللغة العربية باسم “الجنف” أو “انحراف العمود الفقري”.

انحراف

1. ما هو السكليوزز (الجنف)؟

السكليوزز هو تشوّه أو انحراف ثلاثي الأبعاد في العمود الفقري. لا يقتصر الانحراف على جانب واحد فقط، بل يتضمن:

  • انحناء جانبي: انحراف العمود الفقري إلى الجانب (على شكل حرف C أو S).
  • الالتواء: دوران الفقرات حول نفسها.
  • الميلان: يؤدي هذا الالتواء إلى بروز الأضلاع في جهة واحدة، مما يُشكّل ما يُعرف بـ “حدبة” أو “بروز ضلعي”.

باختصار، الجنف هو انحناء دائري وملتوٍ وليس مجرد انحناء بسيط إلى الجانب.


2. أنواع الجنف (التصنيف حسب المسبب)

يُصنف الجنف بناءً على سببه إلى عدة أنواع رئيسية:

أ. الجنف مجهول السبب (Idiopathic Scoliosis)

هو النوع الأكثر شيوعاً (حوالي 80% من الحالات)، وليس له سبب معروف أو محدد. يُصنف بناءً على عمر الظهور:

  • الرضعي (0-3 سنوات): نادر، وقد يتحسن تلقائياً في بعض الحالات.
  • الأطفال (4-10 سنوات): أقل شيوعاً.
  • المراهقين (11-18 سنة): هو الأكثر انتشاراً، ويظهر غالباً أثناء طفرة النمو في مرحلة البلوغ، ويصيب الفتيات أكثر من الذكور.

ب. الجنف الخلقي (Congenital Scoliosis)

ينتج عن تشوهات في تكون الفقرات أثناء نمو الجنين في الرحم. مثل:

  • فقرة غير مكتملة التكوين (نصف فقرة).
  • فقرات ملتصقة ببعضها.
    هذا النوع غالباً ما يتم اكتشافه في سن مبكر.

ج. الجنف العصبي العضلي (Neuromuscular Scoliosis)

ينتج كمضاعفة ثانوية لأمراض أو حالات تؤثر على الأعصاب أو العضلات. يكون الانحناء فيه غالباً أكثر حدة ويتطور بسرعة.

  • الأسباب: الشلل الدماغي، ضمور العضلات (مثل دوشين)، إصابات الحبل الشوكي، polio.

د. أنواع أخرى

  • الجنف التنكسي (Degenerative): يظهر في الكبار بسبب تآكل الأقراص الفقرية والتهاب المفاصل.
  • الجنف المتلازمي (Syndromic): مرتبط بمتلازمات معينة مثل متلازمة مارفان أو داون.

3. أعراض وعلامات الجنف

قد تكون الأعراض خفيفة وغير ملحوظة في البداية، ولكن مع تقدم الحالة تظهر العلامات التالية:

العلامات الظاهرية:

  • عدم تناسب الكتفين: أحد الكتفين أعلى من الآخر.
  • بروز أحد لوحي الكتف (الظهر) بشكل أوضح من الآخر.
  • عدم استواء الرأس مع منتصف الحوض.
  • بروز أحد جانبي القفص الصدري (الحدبة الضلعية)، ويمكن ملاحظتها عند انحناء المريض للأمام (اختبار آدمز للانحناء الأمامي).
  • عدم تناسب الخصر: ميلان في الخصر أو بروز أحد جانبي الورك.
  • تبدو الذراعان وكأنهما يتدليان بطول غير متساوٍ.
  • عدم تناسب طول الساقين (في بعض الحالات).

الأعراض الشعورية:

  • ألم في الظهر أو أسفل الظهر (شائع أكثر في حالات الجنف التنكسي لدى الكبار).
  • التعب والإرهاق في الظهر بعد الجلوس أو الوقوف لفترات طويلة.
  • في الحالات الشديدة جداً، قد يؤثر الانحناء على الرئتين والقلب، مسبباً صعوبة في التنفس.

4. التشخيص

  1. الفحص السريري: هو الخطوة الأولى، حيث يطلب الطبيب من المريض الانحناء للأمام لملاحظة أي بروز ضلعي أو عدم تناظر.
  2. قياس درجة الانحناء (مقياس السكوليوميتر): أداة لقياس درجة دوران الجذع.
  3. الأشعة السينية (X-ray): هي الفحص الحاسم لتأكيد التشخيص. تُستخدم ل:
    • قياس زاوية كوب (Cobb Angle): وهي المقياس العالمي لشدة الجنف.
      • طفيف: 10 – 25 درجة
      • متوسط: 25 – 40 درجة
      • شديد: > 40 – 50 درجة
    • تحديد موقع الانحناء (صدري، قطني، الخ) ونوعه (C أو S).
    • تقييم نضج الهيكل العظمي (اختبار ريسر) لتوقع احتمالية تطور الانحناء.
  4. فحوصات متقدمة: مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو الأشعة المقطعية (CT)، إذا اشتبه الطبيب في وجود مشكلة في الحبل الشوكي (كما في الجنف الخلقي أو العصبي العضلي).

5. طرق العلاج

يعتمد العلاج على عدة عوامل: عمر المريض، نوع الجنف، مكان الانحناء، ودرجة الانحناء (زاوية كوب).

أ. المراقبة والملاحظة (Observation)

  • متى؟ عندما تكون زاوية الانحناء صغيرة (أقل من 20-25 درجة) ولم ينتهِ نمو الطفل بعد.
  • الهدف: مراقبة تطور الانحناء عبر الزمن بالأشعة السينية الدورية (كل 4-6 أشهر).

ب. العلاج غير الجراحي

  1. الحزام الطبي (Bracing)
    • متى؟ هو الخيار الرئيسي غير الجراحي عندما تكون الزاوية بين 25-40 درجة، ولم ينتهِ نمو العظام بعد.
    • الهدف: ليس تصحيح الانحناء، بل إيقاف أو إبطاء تقدمه أثناء فترة النمو.
    • الفعالية: يتطلب ارتداء الحزام لمدة 16-23 ساعة يومياً ليكون فعالاً.
  2. العلاج الطبيعي والتمارين
    • متى؟ يمكن استخدامه في جميع الحالات، ولكن ليس كعلاج منفرد في الحالات المتوسطة إلى الشديدة.
    • الهدف: تقوية عضلات الظهر والبطن، تحسين المرونة والوضعية، وتخفيف الألم.
    • الطرق: توجد برامج متخصصة مثل طريقة شروث (Schroth Method)، وهي تمارين مصممة خصيصاً لمرضى الجنف لتحسين وضعية الجسم والتنفس.

ج. العلاج الجراحي

  • متى؟
    • عندما تكون زاوية الانحناء كبيرة (عادة أكثر من 45-50 درجة) ولا يزال الطفل في طور النمو.
    • عندما يستمر الانحناء في التقدم رغم استخدام الحزام.
    • عندما يسبب الجنف ألماً مزمناً لا يستجيب للعلاج التحفظي.
    • عندما يكون هناك خطر على وظائف القلب أو الرئتين.
  • الهدف: تصحيح الانحناء بشكل كبير ومنع تقدمه.
  • الإجراء الأكثر شيوعاً: دمج الفقرات (Spinal Fusion)، حيث يتم تعديل وضع الفقرات باستخدام قضبان ومسامير وخطافات معدنية، ثم دمجها معاً لتصبح عظمة واحدة مستقيمة.

6. مضاعفات الجنف غير المُعالج

في الحالات الشديدة والمتطورة دون علاج، قد يؤدي الجنف إلى:

  • تشوه دائم ومشاكل نفسية متعلقة بالمظهر.
  • ألم مزمن في الظهر.
  • تلف الأعصاب في حالات نادرة جداً.
  • مشاكل في القلب والرئتين بسبب ضغط القفص الصدري على الأعضاء الداخلية.
  • في الكبار، زيادة احتمالية الإصابة بالعصب الوركي (عرق النسا) أو تضيق القناة الشوكية.

7. الخلاصة والنقاط الرئيسية

  • الجنف هو انحراف جانبي وملتوٍ للعمود الفقري.
  • الجنف مجهول السبب عند المراهقين هو الأكثر شيوعاً.
  • الكشف المبكر مهم جداً للسيطرة على تقدم الحالة.
  • العلاج يعتمد على شدة الانحناء وعمر المريض، ويتراوح بين المراقبة، والحزام، والجراحة.
  • معظم حالات الجنف الطفيفة لا تحتاج إلى تدخل جراحي ويمكن التعايش معها بشكل طبيعي.
  • الرياضة والنشاط البدني مفيدان بشكل عام، ولا توجد تمارين محددة يمكنها “علاج” الجنف بمفردها، لكنها تدعم العلاج الأساسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *